كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت: كحبال السفينة وشبه ذلك.
والله أعلم.
الثانية اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حِرْز ما يجب فيه القطع.
وقال الحسن بن أبي الحسن: إذا جمع الثياب في البيت قُطِع.
وقال الحسن بن أبي الحسن أيضًا في قول آخر مثل قول سائر أهل العلم فصار اتفاقا صحيحًا.
والحمدلله.
الثالثة الحِرْز هو ما نُصِب عادة لحفظ أموال الناس، وهو يختلف في كل شيء بحسب حاله على ما يأتي بيانه.
قال ابن المنذر ليس في هذا الباب خبر ثابت لا مقال فيه لأهل العلم، وإنما ذلك كالإجماع من أهل العلم.
وحُكي عن الحسن وأهل الظاهر أنهم لم يشترطوا الحِرْز.
وفي الموطأ لمالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا قطع في ثَمَرٍ مُعَلق ولا في حَريسة جَبَل فإذا آواه المَرَاح أو الجَرِين فالقطع فيما بَلَغَ ثمن المِجَنّ» قال أبو عمر: هذا حديث يتصل معناه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره، وعبد الله هذا ثقة عند الجميع، وكان أحمد يُثْني عليه.
وعن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن الثَّمَر المُعَلق فقال: «مَن أصاب منه من ذي حاجة غيرَ متخذ خُبْنَة فلا شيء عليه ومن خَرَج بشيء منه فعليه القطع ومن سَرَق دون ذلك فعليه غَرامةٌ مِثليه والعقوبة» وفي رواية «وجلدَات نَكَالَ» بدل «والعقوبة».
قال العلماء: ثم نُسِخ الجَلْد وجُعِل مكانه القطع.
قال أبو عمر: قوله: «غرامة مثليه» منسوخ لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به إلا ما جاء عن عمر في دقيق حاطِب ابن أبي بلْتَعَة؛ خرّجه مالك؛ ورواية عن أحمد بن حَنْبَل.
والذي عليه الناس من الغُرم بالمثل؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ورَوى أبو داود عن صفوان بن أُمَيَّة قال: كنت نائمًا في المسجد على خَمِيصة لي ثمن ثلاثين درهمًا.
فجاء رجل فاختلسها منِّي، فأُخذ الرجل فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به ليقطع، قال: فأتيته فقلت أتقطعه من أجل ثلاثين درهمًا؟ أنا أبيعه وأنسئه ثمنها؛ قال «فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به» ومن جهة النظر أن الأموال خلقت مُهَيَّأة للإنتفاع بها للخلق أجمعين، ثم الحكمة الأوّلية حكمت فيها بالإختصاص الذي هو الملك شرعًا، وبقيت الأطماع متعلقة بها، والآمال مُحوَّمة عليها؛ فَتَكُفُّها المروءة والدّيانة في أقل الخلق، ويَكفُّها الصون والحِرْز عن أكثرهم، فإذا أحرزها مالكها فقد اجتمع فيها الصَّوْن والحِرْز الذي هو غاية الإمكان للإنسان؛ فإذا هُتكا فَحُشت الجريمة فعظمت العقوبة، وإذا هُتِك أحد الصَّوْنين وهو الملك وجب الضمان والأدب.
الرابعة فإذا اجتمع جماعة فاشتركوا في إخراج نِصاب من حِرْزه فلا يخلو، إمّا أن يكون بعضهم ممن يقدر على إخراجه، أوْ لا إلاّ بتعاونهم، فإذا كان الأوّل فاختلف فيه علماؤنا على قولين: أحدهما يُقْطَع فيه، والثاني لا يُقطَع فيه؛ وبه قال أبو حنيفة والشافعي؛ قالا: لا يُقطَع في السرقة المشتركون إلا بشرط أن يجب لكل واحد من حِصَّته نِصاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقطع يَد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا» وكل واحد من هؤلاء لم يسرق نصابًا فلا قطعَ عليهم ووجه القطع في إحدى الروايتين أن الاشتراك في الجناية لا يسقط عقوبتها كالإشتراك في القتل؛ قال ابن العربيّ: وما أقرب ما بينهما فإنا إنما قتلنا الجماعة بالواحد صيانة للدماء؛ لئلا يتعاون على سفكها الأعداء، فكذلك في الأموال مثله؛ لاسيما وقد ساعدنا الشافعيّ على أنَّ الجماعة إذا اشتركوا في قطع يد رجل قُطِعوا ولا فرق بينهما.
وإن كان الثاني وهو مما لا يمكن إخراجه إلا بالتعاون فإنه يُقطَع جميعهم بالاتفاق من العلماء؛ ذكره ابن العربي.
الخامسة فإن اشتركوا في السرقة بأن نَقَب واحد الحِرْز وأخرج آخر، فإن كانا متعاونين قُطِعًا.
وإن انفرد كل منهما بفعله دون اتفاق بينهما، بأن يجيء آخر فيُخْرِج فلا قطع على واحد، منهما.
وإن تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج فالقطع عليه خاصة؛ وقال الشافعي: لا قطع؛ لأن هذا نَقَب ولم يَسرق، والآخر سَرَق من حِرْز مهتوك الحُرمة.
وقال أبو حنيفة: إن شارك في النّقب ودخل وأخذ قُطع.
ولا يشترط في الإشتراك في النقب التحامل على آلة واحدة؛ بل التعاقب في الضرب تحصل به الشركة.
السادسة ولو دخل أحدهما فأخرج المتاع إلى باب الحِرْز فأدخل الآخر يده فأخذه فعليه القطع، ويعاقب الأوّل؛ وقال أشهب: يُقطَعان.
وإن وضعه خارج الحِرْز فعليه القطع لا على الآخذ، وإن وضعه في وسط النّقب فأخذه الآخر والتقت أيديهما في النقب قُطِعا جميعًا.
السابعة والقبر والمسجد حِرْز فيُقطَع النَّبَّاش عند الأكثر؛ وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه؛ لأنه سرق من غير حِرْز مالًا معرّضًا للتلف لا مالك له: لأن الميت لا يملك.
ومنهم من ينكر السرقة؛ لأنه ليس فيه ساكن، وإنما تكون السرقة بحيث تُتَّقى الأعين، ويتحفظُ من الناس؛ وعلى نفي السرقة عوّل أهل ما وراء النهر.
وقال الجمهور: هو سارق لأنه تدرع الليل لباسًا واتقى الأعين، وقصد وقتًا لا ناظر فيه ولا مارّ عليه، فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعيد، وخلوّ البلد من جميعهم.
وأما قولهم: إن القبر غير حِرْز فباطل؛ لأن حرْز كل شيء بحسب حاله الممكنة فيه.
وأما قولهم: إن الميت لا يملك فباطل أيضًا؛ لأنه لا يجوز ترك الميت عاريًا فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حِرْز.
وقد نبه الله تعالى عليه بقوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتًا} [المرسلات: 25] {أَحْيَاءً وَأَمْواتًا} [المرسلات: 26] ليسكن فيها حيًا، ويدفن فيها ميتًا.
وأما قولهم: إنه عُرْضة للتلف؛ فكل ما يلبَسه الحي أيضًا معرّض للتلف والإخلاق بلباسه، إلا أن أحد الأمرين أعجل من الثاني؛ وقد رَوى أبو داود عن أبي ذرّ قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «كيف أنت إذا أصاب الناس موتٌ يكون البيت فيه بالوَصيف»، يعني القبر، قلت: الله ورسوله أعلم قال: «عليك بالصبر» قال حماد: فبهذا قال من قال تقطع يد السارق؛ لأنه دخل على الميت بيته.
وأما المسجد، فمن سرق حُصُره قُطِع؛ رواه عيسى عن ابن القاسم، وإن لم يكن للمسجد باب؛ ورآها مُحرزَة.
وإن سرق الأبواب قطع أيضًا؛ ورُوي عن ابن القاسم أيضًا إن كانت سرقته للحُصُر نهارًا لم يُقطَع، وإن كان تسوّر عليها ليلًا قُطِع؛ وذكر عن سُحْنُون إن كانت حُصُره خيط بعضها إلى بعض قُطِع، وإلاّ لم يُقطَع.
قال أَصْبَغ: يُقطع سارق حُصُر المسجد وقناديله وبلاطه، كما لو سرق بابه مُسْتَسِرًا أو خشبة من سقفه أو من جَوَائزه.
وقال أشهب في كتاب محمد: لا قطع في شيء من حُصُر المسجد وقناديله وبلاطه.
الثامنة واختلف العلماء هل يكون غُرمٌ مع القطع أو لا؟ فقال أبو حنيفة: لا يجتمع الغُرم مع القطع بحال، لأن الله سبحانه قال: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ الله} ولم يذكر غُرْمًا.
وقال الشافعي: يَغرَم قيمة السرقة موسرًا كان أو معسرًا، وتكون دَيْنًا عليه إذا أيسر أدّاه؛ وهو قول أحمد وإسحاق.
وأما علماؤنا مالك وأصحابه فقالوا: إن كانت العين قائمة ردّها، وإن تَلِفت فإن كان موسرًا غَرِم، وإن كان معسرًا لم يُتْبع به دَيْنًا ولم يكن عليه شيء؛ وروى مالك مثل ذلك عن الزُّهري؛ قال الشيخ أبو إسحاق: وقد قيل إنه يُتْبع بها دَيْنًا مع القطع موسرًا كان أو معسرًا؛ قال: وهو قول غير واحد من علمائنا من أهل المدينة، واستدل على صحته بأنهما حقان لمستحقين فلا يُسْقِط أحدهما الآخر كالدّية والكفّارة، ثم قال: وبهذا أقول.
واستدل القاضي أبو الحسن للمشهور بقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أُقيم على السارق الحدّ فلا ضمان عليه» وأسنده في كتابه.
وقال بعضهم: إن الإتباع بالغُرم عقوبة، والقطع عقوبة، ولا تجتمع عقوبتان؛ وعليه عوّل القاضي عبدالوهاب.
والصحيح قول الشافعي ومن وافقه؛ قال الشافعي: يَغرَم السارق ما سَرق موسرًا كان أو معسرًا؛ قُطِع أو لم يُقطَع، وكذلك إذا قَطَع الطريق؛ قال: ولا يُسقِط الحدُّ لله ما أتلِف للعباد، وأما ما اصبَحّ به علماؤنا من الحديث إذا كان معسرًا فيه احتج الكوفيون وهو قول الطَّبري، ولا حجة فيه؛ رواه النسائي والدَّارَاقُطْنيّ عن عبد الرحمن بن عوف.
قال أبو عمر: هذا حديث ليس بالقوي ولا تقوم به حجة؛ وقال ابن العربي: وهذا حديث باطل، وقال الطبري: القياس أن عليه غَرْمُ ما استهلك ولكن تركنا ذلك اتباعا للأَثَر في ذلك.
قال أبو عمر: ترك القياس لضعيف الأَثر غير جائز؛ لأن الضعيف لا يوجب حُكْمًا.
التاسعة واختلف في قطع يد من سَرق المال من الذي سرقه؛ فقال علماؤنا: يُقطع.
وقال الشافعي: لا يقطع؛ لأنه سَرق من غير مالك ومن غير حِرْز.
وقال علماؤنا: حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع عنه، ويد السارق كَلاَيد، كالغاصِب لو سُرِق منه المال المغصوب قُطِع؛ فإن قيل: اجعلوا حِرزه كَلاَ حِرْز؛ قلنا: الحِرْز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز.
العاشرة واختلفوا إذ كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة؛ فقال الأكثر: يُقطَع.
وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه.
وعموم القرآن يوجب عليه القطع، وهو يرد قوله.
وقال أبو حنيفة أيضًا في السارق يملك الشيء المسروق بشراء أو هبة قبل القطع: فإنه لا يُقطَع، والله تعالى يقول: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} فإذا وجب القطع حقًا لله تعالى لم يسقطه شيء.
الحادية عشرة قرأ الجمهور {وَالْسَّارِقُ} بالرفع.
قال سيبويه: المعنى وفيما فُرِض عليكم السارق والسارقة.
وقيل: الرفع فيهما على الإبتداء والخبر {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا}.
وليس القصد إلى معين إذ لو قصد معينًا لوجب النصب؛ تقول: زيدًا اضربه؛ بل هو كقولك: من سرق فاقطع يده.
قال الزجاج: وهذا القول هو المختار.
وقرئ {وَالسَّارِقَ} بالنصب فيهما على تقدير اقطعوا السارق والسارقة؛ وهو اختيار سيبويه لأن الفعل بالأمر أولى؛ قال سيبويه رحمه الله تعالى: الوجه في كلام العرب النصب كما تقول: زيدًا اضربه؛ ولكن العامة أبت إلا الرفع؛ يعني عامة القراء وجُلّهم، فأنزل سيبويه النوع السارق منزلة الشخص المعين.
وقرأ ابن مسعود {وَالسَّارِقُونَ وَالسَّارِقَاتُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمْ} وهو يقوي قراءة الجماعة.
والسَّرِق والسَّرِقَة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق، والمصدر من سَرق يَسرِق سَرَقًا بفتح الراء.